هو عبدالحميد إبراهيم عبد الله محمود عمر العبار،(1880-1977): والده من كبار مشايخ العواقير من بيت (سديدي) والعواقير (سديدي - إبراهيم - مطاوع) يعيشون على شكل هلال حول مدينة بنغازي. والدته هي السيدة (سالمة) من عائلة الجهمة (الجهمي) المعروفة. وإن بيتهم يعرف فيما بين آل العبار بـ بيت المصراتية, حيث قيل فيهم هذا البيت ((اجعنهم خوال الناس كيف خوالي :::: جود وكرم تاريخ صرحه عالي))
ولد الشيخ عبدالحميد العبار عام 1880م بقرية (سلوق)، وهي القرية التي أُعدم فيها شيخ الشهداء عمر المختار.
تلقى الشيخ عبدالحميد العبار تعليمه في الزوايا السنوسية، وبدأ حياته مجاهدا حيث حمل البندقية شابا صغيرا منذ دخول المحتل الإيطالي إلى الأراضي الليبية عام 1911م، فكان أصغر المجاهدين سنا وأكثرهم حماسة. كانت قوات المستعمر الإيطالي تنشر الإعلانات وتمنى بدفع أموال طائلة لمن يأتي برأسه حيا أو ميتا، وكانت القوات الإيطالية تطلق عليه أو تسميه (شيخ القبيلة الشاب).
تزوج الشيخ عبدالحميد العبار أربع مرات، وأنجب من زيجاته، ثلاثة أولاد وثلاث بنات
هو من أغنياء العواقير وأجودهم. زاره أحمد الشريف السنوسي ومعه مائة مجاهد، فاستضافهم ستين ليلة. ثم خرجت إيطاليا بجيوشها لإخضاعه، فحمل متاعه على مائة ناقة، وقاتل من أجلها من الشروق إلى الغروب، ثم انفلقت بطن حصانه الأبيض المشهور به ففاز ببندقيته ورأسه. ومكث يقاتل مع عمر المختار، وكان من أقرب المقربين إليه، إلى أن استشهد المختار وأخذت إيطاليا كل القبائل العربية من مواقع المجاهدين والمستسلمة لها إلى "معتقل العقيلة" وأقامت الأسلاك الشائكة على حدود مصر، ومنعت المؤن عن المجاهدين، فغادر العبار ومعه 64 رجلا، قاصدين حدود مصر وبقوا 12 يوما بدون طعام ولا شراب سوى أرنب ساقها لهم القدر فاصطادوها، ثم قاتلوا جند الحدود وتعدوا الأسلاك بمهارة حارت فيها قيادة الإيطاليين. واستقبلهم المصريون بحفاوة وأطعموا العبار أياما طويلة بالسمن ليسهل عليه أكل الطعام الذي حرم منه مدة، وكان يتستر بخرق بالية من خيش الخيم، وهو الذي كان من الأغنياء. لكنه لم يندم، فقد دفع ذلك في سبيل وطنه، وقد تنعم بحسن العافية. كان الشيخ العبار ضمن أربعة نواب لشيخ المجاهدين عمر المختار، الذي كان يشغل منصب القائد العام لجميع الأدوار (1923 – 1931م) في المنطقة الشرقية ساهم الشيخ عبدالحميد العبار منذ وصوله إلى مصر في مطلع عام 1932م في الجهود التي بذلها الأمير إدريس السنوسي في تقوية الجهد الوطني الليبي وتوحيد كلمة الليبيين وكسب أنصار دوليين لدعم حركة التحرر الليبية الساعية لإستقلال البلاد. كان الشيخ عبدالحميد العبار من بين الشخصيات الوطنية التي دعاها الأمير إدريس لعقد اجتماعات تمهيدية للنظر ودارسة العرض الانجليزي بتشكيل قوة عسكرية تشارك في القتال إلي جانب (الحلفاء) في الحرب العالمية الثانية، وكان من أهم تلك الاجتماعات اجتماع (رملة الإسكندرية) عام 1939م.
وفي يوم الجمعة الموافق 9 أغسطس 1940م أعلن الزعماء الوطنيون المجتمعون بمنزل الأمير إدريس بحي الزمالك بالقاهرة عن تأسيس جيش التحرير للمشاركة إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حيث ضم هذا الجيش العديد من أبناء ليبيا المهاجرين بمصر والدول العربية، وكان (بوهدمة) ابن الشيخ عبدالحميد العبار واحدا من بين أؤلئك الجنود الذين انضموا إلى الجيش السنوسي.
ساهم الجيش السنوسي مع قوات (الحلفاء) في هزيمة قوات المحور (ألمانيا وإيطاليا)، و كان الشيخ عبدالحميد العبار ضمن المبعوثين إلى ليك سكسس بقرب نيويورك كوفد عن (المؤتمر البرقاوي)، وهو الوفد الذي شارك إلى جانب الوفد الطرابلسي المكون من (هيئة تحرير ليبيا) في الدورة الثالثة التي عقدتها الأمم المتحدة في أبريل 1949م لمناقشة المسألة اللـيبية.
عين الشيخ عبدالحميد العبار بعد الإستقلال عضوا بمجلس الشيوخ، واستمر في موقعه هذا سنوات طويلة إلى أن أصبح في أكتوبر 1961م رئيسا للـمجلس خلفا للشيخ محمود بوهدمة (25 مارس 1956م – 15 أكتوبر الأوّل 1961م)
عندما وقع إنقلاب 1 سبتمبر 1969م، كان الشيخ عبدالحميد العبار موجودا في ليبيا وكان يشغل وقتذاك منصب رئيس مجلس النواب، فألقى الإنقلابيون الطغاة القبض عليه فور استيلائهم على السلطة وزجّ به في السجن مع أجود رجال ليبيا وأخيارها من الوطنيين الشرفاء، وشمله قرار (العزل السياسي) الذي أصدره الإنقلابيون 8 يوليو 1971م، وكان رفاقه الذين شملهم الاعتقال معه متعجبين من أمر اعتقاله وهو في سن متقدمة ومقامه في مقام شيخ الشهداء عمر المختار، فسأله أحدهم متعجبا: كيف تجرأ هؤلاء الصبية على اعتقالك وأنت رفيق عمر المختار!؟، فأجاب: " لا تتعجب يا أبني فحتى سيدي عمر المختار لو كان حيا لرأيته معنا في غرفة الإعتقال..".
اجتمع القذافي أثناء الأحداث الطلابيّة عام 1976م، بأعيان ورؤساء القبائل طالبا منهم المساندة والدعم، وأراد تحريض من اجتمع بهم ضدّ الطلبة بقوله أن هؤلاء مدفوعون من قوى خارجية، وأنهم شيوعيون يهدفون لقلب نظام الحكم. كمَا أراد إيقاع الفتنة بين سكان بنغازي من حضر وبادية، وقال للشيخ عبدالحميد العبار: "بنغازي للعواقير وكيف تتركونها لعرب مصراتة وهم دخلاء عليها !؟". وقف عدد من هؤلاء ضدّ ما تفوه به القذافي وقالوا كلمتهم بكل وضوح وصراحة، ثم رد الشيخ عبد الحميد العبار عليه قائلاً: ( مصراتة أخوالنا وأخوال أولادنا ونحن وهم أخوة، وكمَا يقال " اللي مو شاري بزناده"، أي أن الذي لم يشتري منا أرضا، فقد ضرب معنا بزناده في الشدة "..).
كرمت الدولة الليبية في عهد الملك إدريس السنوسي، الشيخ عبدالحميد العبار بأرفع المناصب في الدولة ومنحته عددا من الأوسمة والأنواط تقديرا وإعزازا لدوره الوطني العظيم، ومن بين تلك الأوسمة والأنواط: وسام الجهاد.. ميدالية التحرير.. نيشان الاستقلال.1971م.
توفي الشيخ عبدالحميد العبار في 20 سبتمبر 1977م في مدينة بنغازي ودفن بها، وشيع جثمانه الطاهر من منزله الكائن بالقرب من مسجد السيد بلقاسم أحمـد الشريف السنوسي بمدينة الحدائق (الفويهات الشرقية)، ورفع الجثمان كوكبة من أعيان مدينة بنغازي ورجالات ليبيا ومشايخها، في موكب جليل عظيم ضاقت شوارع مدينة بنغازي عن استيعابه، واكتظت (مقبرة سيدي عبيد) بالمشيعين